الخيام عبر التاريخ

عندما كانت الخيام تُصنع من عظام الحيوانات

تاريخياً لا يوجد إجماع على تحديد الحقبة التي ظهرت فيها الخيمة، إذ ترجعها بعض المصادر التاريخية إلى العصر الجليدي، حيث بُنيت حينها باستخدام عظام الحيوانات كالماموث الصوفي الضخم،وفروع الأشجار، والبعض يرجع بدايتها إلى العصر الحديدي المبكر، وربما أطول من ذلك بكثير.

خيمة مبنية بعظام وجلود الحيوانات

بعض أشكال الخيام القديمة

تيبي هو نوع من الخيام التي استخدمها الناس الرُّحَّل، وهي ذات شكل مخروطي، تحتوي على رفرف الدخان في الأعلى، للسماح بإحراق بعض الأشياء داخل الخيمة نفسها. وجرى استخدم هذا الشكل من قِبل الأمريكيين الأصليين، والسكان الأصليين لشمال أوروبا، وآسيا.

الخيم سابقا (تيبي)

النوع الثاني للخيام عبارة عن خيمة دائرية محمولة مغطاة بشكل تقليدي بالجلود أو اللباد، وكانت ولا تزال تستخدم كمسكن من قِبل سكان البادية في سهول آسيا الوسطى. وكانت الخيام تُصنع من الخشب،بما تحتويه من عوارض، ولها سقف كبير، وقد استخدمت كمسكن في آسيا قديماً، وكانت تُحمل على ظهر الجمل أو الحيوانات الأخرى.

القرن العشرين

في الآونة الأخيرة،شهدت البلاد الأجنبية تغيرا في شكل الخيم، إذ بدأ مصنعون بإنتاج خيام ترويحية ساعدت على تعزيز نمو المخيمات والصناعات بالهواء الطلق في بداية القرن العشرين، وساعدت على جعل التخييم نشاطًا ترفيهيًا شائعًا ومنتشرًا في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد شهد القرن العشرين تحديث تصميم الخيم والمواد بشكل جذري،إذ جرى استبدال أعمدة الدعم الخشبية الثقيلة بالمعدن ثم الأعمدة البلاستيكية، وأصبحت الأعمدة المرنة أكثر شيوعًا،فيما تغير شكل الخيام، وأصبحت الخيام الصلبة ذات الحبال الكثيرة أقل شيوعًا.

المكان: بادية أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة.
الزمان: خلال الثلاثينات إلى الستينات من القرن الـ20.
في تلك الفترة كان أهل تلك المناطق يسكنون (بيوت الشعر) المصنوعة من شعر الماعز والخراف، والتي كانت تبعث فيهم الدفء وتحميهم من البرد الشديد، وتقيهم من تسرّب مياه الأمطار.

وهكذا كان السكان يقاومون الظروف الجوية شديدة التغيير في مواسمها، فالمناخ في الصحراء يختلف عنه في السواحل والمدن، إذ لا يجد البدوي ما يقيه من تقلّبات المناخ هو وأسرته إلا بما يصنعه بنفسه من أدوات يمكن ان تساعده على البقاء، وتعينه في التنقل والترحال من مكان إلى آخر.

من كان يصنعها؟

كانت صناعة بيوت الشعر تشتهر بها النساء، إذ تتعلم الفتاة كل الصناعات التي يمكن أن تؤهلها لتصبح ربة منزل ماهرة في المستقبل، وتستطيع مساندة زوجها في عمله وسعيه نحو تدبير الرزق، وموارد الحياة المختلفة واحتياجاتها.

الشكل

كان بيت الشعر حينها ثقيل الوزن،ولذا كان السكان يتعاونون في ما بينهم لرفع عمدان الواسط بمستوى أعلى مما كان عليه، حتى لا يتجمع ماء المطر في وسط سقف بيوتهم، وكانوا يحيطونها من الخارج (بالسناح) أو (الحياب) الذي يستخدم لتجميل الجدران، وهو مصنوع من الصوف ومزخرف بالقطن الأبيض، ثم يفرد (الطربال) لتجميع ماء المطر فيه وإعادة استخدامه في أغراض أخرى.

معاناة الصيف

في فترة الصيف كان البدو يعانون كثيراً من الحر الشديد، لذا كانوا يقطنون عند الآبار، ويبنون بيوتاً مصنوعة من خوص النخيل.
ولم تكن الخيمة قطعة واحدة مستطيلة، بل تتركب من عدد من القطع العريضة المنسوجة من شعر الماعز ووبر الإبل، بينما يراوح عدد الأعمدة بين اثنين وتسعة أعمدة.

وعادة ما توثق الخيمة عرضاً بحبال قصيرة قريبة من الأرض، في حين يبقى جانب الطول مفتوحاً عن طريق شده إلى حبال طويلة إذ يبلغ علو المدخل طول قامة الرجل أو أطــــــــــــــول حـــــــسب طــــــــــول العـــــــمــــــــــــــود. ويوجه الجانب المفتوح من الخيمة عكس اتجاه الريح، وفي فترة الصيف يتم فتح الخيمة من جانبين متقابلين لخلق تيار هوائي.

خيمة شيخ القبيلة

وكانت خيمة شيخ القبيلة تختلف عن خيمة بقية أفراد القبيلة، فهي أكبر حجماً، وتتكون من أقسام عدة (شقق) عرض الواحدة منها ثلاثة أرباع المتر تقريباً، تخاط هذه الشقق إلى بعضها بطريقة غير محكمة، وتفك عند الترحال، إذ إن الخيمة كاملة تمثل عبئاً ثقيلاً لا يتحمله جمل واحد. وتقسم الخيام الكبيرة دائماً إلى غرفتين يفصل بينهما جدار يسمى (المعند).

وتسمى الغرفة الكبرى (المقعد)، وتخصص عادة لاستقبال الرجال والضيوف وعقد الاجتماعات. أما الصغرى فهي (المحرم) وتُخصص لإقامة النساء. وتفرش غرفة الرجال عادة بمفارش وأغطية وسجاد ووسائد حسب إمكانات صاحب الخيمة وثرائه، كما يتم تغطية الجدار الداخلي الفاصل وجوانب الخيمة بهذه المفارش.

طريقة صناعة بيت الشعر

كانت عملية صناعة بيت الشعر تبدأ بغزل الصوف خيوطاً طويلة لنسجها على هيئة قطع صوفية طويلة، إذ تتجمع اثنتان أو أربع نساء ويثبتن في الأرض أربعة أعمدة على زوايا مستطيل، ثم يربطن خيوط الصوف الطويلة بين هذه الأعمدة، ثم يبدأن الانتقال بخفة بين الخيوط، ليعملن نسيجاً عن طريق مخالفة الخيوط من أسفل إلى أعلى في اتجاه أضلاع المستطيل.

وبعد أن تتحول الخيوط إلى قطع صوف طويلة، تلصق هذه القطع متجاورة عن طريق الخيوط المتينة، وتتحول إلى غطاء متين، ثم تبدأ عملية تشكيله ليصبح منزلاً محكم الإغلاق.

لا تختلف بيوت الشعر في مكوناتها كثيراً بين دول الخليج، ودول الوطن العربي، فثمة فروقات بسيطة بينهما، لكن يمكن الإشارة هنا إلى أبرز مكونات البيت بصفة عامة.

الشْقَاق (بتسكين الشين وفتح القاف):

وهو مغزول من الشعر، ثم تُربط مع بعضها البعض لتؤلف البيت، ويصنع عادة من شعر الماعز ، وقد يتخلله صوف الأغنام لأنه لا يبتل.
وعادة يتكون بيت الشعر من ثمانية من الشقاقات، موصولة بعضها ببعض، بواسطة خيوط من الصوف لتشكل سقفاً واحداً.

الطرائق (الطريجة):

وهي تُخاط بعكس اتجاه الشقاق حيث تشكل دعائم إضافية للبيت، وتُثبت في المواقع التي توضع فيها الأعمدة وذلك لحماية الشقاق من التآكل والاهتراء بفعل احتكاك العمود مع الشقاق.

الرواق:

وهو الغطاء الخلفي للبيت، ويكون مصنوعاً من شعر الماعز، أو الصوف، ويتكون عادة مـن 3ـ4 شقاقات. ويرتبط الرواق مع سقف البيت بواسطة وصلات، تُسمى الخلال (وهي تشبه المسمار، وتعمل على تثبيت الرواق بالسقف).

الرُفَه ( بضم الراء وفتح الفاء):

وهو الغطاء الجانبي من اليسار واليمين لبيت الشعر، أي نهاية بيت الشعر من جهة اليمين واليسار، وسميت بذلك لأنها تَرُف وتتحرك بفعل الرياح والهواء.

الشِقْ (بكسر الشين وتسكين القاف):

وهو القسم الرئيسي لبيت الشعر، وهو بمثابة المضافة لدى الحضر، وفيه يجلس الرجال ويتسامرون، ويكون عادة على يمين البيت.

المْحَرَم (بتسكين الميم وفتح الحاء والراء):

وهو المكان المخصص لجلوس النساء، وسمي بذلك لأنه يحرم على الرجال الأجانب دخوله. ويفصل بين الشق والمحرم غطاء يسميه البعض: "الساحة"، أو "الزرب"، وتكون جهة المحرم من اليسار بالنسبة بالبيت.
وبذلك يكون بيت الشعر مغلقاً من ثلاث جهات، أما الجهة الرابعة فتبقى مفتوحة، وعادة تكون باتجاه الشرق.

الأعمدة:

وهي التي يتم بها رفع البيت، ويتراوح طولها من 2ـ 2,5م، وقد تصل إلى 3 أمتار.

الحبال والأوتاد:

فالحبال (الأطناب) يتم شد البيوت بها، والأوتاد تُربط بها الحبال لتثبيت البيت.

أعمدة بيوت الشعر هي التي يتم بها رفع البيت، ونظراً لأهميتها فإن لها عدة مسميات وبعض الألقاب، ولكل لقب معنى ومنها:

الواسط:

وهو العمود الذي يوضع في وسط البيت، ويكون أطولها.

ويقاس كبر البيت أو صغره بعدد الأعمدة الموجودة في منتصف البيت، والتي تقوم على رفعه.

  • فإذا احتوى البيت على "واسط واحد" يُسمى "قطبة".
  • وإذا احتوى على واسطين (عمودين في الوسط) يسمى مدوبل (صّهوة).
  • وإذا احتوى على ثلاثة أعمدة في الوسط يسمى "مثولث".
  • وإذا كان عدد الأعمدة في الوسط أربعة يسمى "مروبع" .. و"مخومس".

وكلما كثرت عدد الأعمدة، دل ذلك على عظم قيمة صاحب البيت.

لذا يوجد نوع من بيوت الشعر يُسمى "الخربوش"، وهو مصنوع من الخيش، ويستعمله الفقراء عادةً لقلة ثمنه، لكنه لا يلائم طبيعة الصحراء، لأنه لا يقي من برد الشتاء، ولا من حر الصيف، ويكون قائماً على عمودين، بطرفي البيت، بالإضافة إلى "الواسط".

المِقْدِم (بكسر الميم وتسكين القاف وكسر الدال):

وهو العمود الذي يوضع في مقدمة البيت (الطرف الأمامي) وينطق: مِجْدم.

الميْخَر (بتسكين الياء وفتح الخاء):

وهو العمود الذي يوضع في مؤخرة البيت (الطرف الخلفي).

الكاسر

وهو العمود الذي يوضع في نهاية البيت من جهة المحرم.
وسمي بذلك لأن موضعه من جهة النساء القاصرات الضعيفات (الكاسر هو الضعيف).

العامر

وهو العمود الذي يوضع في نهاية طرف البيت من جهة الشق، وسمي بذلك لأنه يوجد في موضع عامر بالكرم والضيافة.

أعمدة على جانبي البيت

أما الأعمدة على جانبي البيت فتسمى كل منهما بالشُعبة.

في موريتانيا تحظى الخيمة بمكانة خاصة، واستخدامات متعددة، ويظهر ذلك في كتابات الباحثة الموريتانية سكينة أصنيب، ومن ذلك:
غالبية الأسر تحرص على نصب خيمة في حديقة المنزل، أو فوق السطح، وفي الأحياء الشعبية حيث مساحة المنازل ضيقة تنصب الأسر خياماً أمام البيت وفي الساحات العامة.
معظم الموريتانيين يستبدلون القاعات الفخمة المخصصة لإقامة الأعراس بالخيام الكبيرة، التي ينصبونها ويزينونها، لتبدو خليطاً بين الخيمة والقاعة، فتجمع بين الأصالة والمعاصرة.
ترافق الخيمة المسافرين إلى الصحراء.
وهي حاضرة بقوة في الانتخابات، والمناسبات السياسية، وفي استقبالات كبار ضيوف البلاد.

سوق الخيام بالعاصمة

وفي العاصمة نواكشوط هناك سوق خاص لصناعة الخيام، تجتمع فيه النساء المتخصصات في صناعتها، يعرضن خياماً للبيع والإيجار، ويتلقين طلبات لإنجاز خيام بمواصفات خاصة، من حيث التزيين والحجم.

سوق الخيم في موريتانيا

ويحتضن السوق عشرات النساء، أغلبهن مطلقات أو أرامل يستعن بهذه المهنة لإعالة أسرهن ويصدرن إنتاجهن من الخيام لجميع مناطق البلاد وأيضاً للخارج، خاصة المغرب ومالي.

بعض النساء تعمل بمهنة صناعة الخيام لعشرات السنين، ورغم متاعب هذه المهنة وما تتطلبه من جهد وتركيز إلا أن النساء يعتبرنها مهنة أصيلة تحافظ على الموروث الشعبي، إذ توارثنها عن الأجداد الذين كانوا يصنعون الخيام من الوبر الأسود الذي يعد من جلد الغنم والإبل لتقيهم حر الصحراء.
وهم الآن يزينها بالتطريزات، والزخارف، حفاظاً على هذا الموروث.

وتلخص الباحثة تلك المكانة بقولها:
"تحظى الخيمة بمكانة خاصة عند الموريتانيين، فهي المنزل والمدرسة وبيت الزوجية، فيها ينشأ المرء ويتعلم داخلها أصول اللغة والدين في "المحاضر التقليدية"، وإليها يزف عريساً في "خيمة الرك".

كما أن طبيعة الخيمة الموريتانية المفتوحة على أربع جهات دليل على انفتاح صدر الموريتانيين للضيوف، وحرصهم على إكرام وفادتهم.

كما أن لفظ الخيمة يحمل أكثر من دلالة في اللهجة المحلية، فـ"ابن الخيمة الكبيرة" يعني ابن الحسب والنسب، و"لخيام" إشارة إلى الأهل والوحدة الأساسية المكونة للمجتمع.